-->
بوّابة الوردانين بوّابة الوردانين

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مقدّمة عن مدينة الوردانين

الوردانين

مقدمة :

من الصعب علينا أن نكتب تاريخا لا يزال بكرا لمدينة لم تلق من البحث الأثري أيّ حظّ إلى حدّ اليوم ولم تجد من عناية المؤرّخين غير بعض الإسهامات النادرة والمحدودة لعلّ أبرزها وأكبرها قيمة إسهام العلاّمة المرحوم حسن حسني عبد الوهّاب.
لذلك أجد نفسي في حرج كبير وأنا أحاول المساهمة في هذا المجهود العلمي الضروري لكتابة تاريخ قرانا ومدننا التونسية العزيزة خاصة وأنا ابن الوردانين وليس بين يديّ غير شذرات قليلة جدّا من الوثائق والمعطيات التي قد لا تكفي لكتابة مقالة من بضع صفحات.
لكنّ الحقيقة أنّ تقصّي تاريخ قرية أو مدينة إنّما يصبح في حدّ ذاته تحدّيا كبيرا أمام الباحث ليس فقط في مستوى البحث عن الوثائق نفسها بل بالخصوص في مستوى المنهج.
فمن البديهي اليوم، بفضل الترابط الكبير الذي أصبح جليّا بين مختلف الاختصاصات العلميّة، أنّ دراسة أحاديّة ("مونوغرافيا" monographie ) لا يمكنها أن تكون في النهاية إلا دراسة متعدّدة الأبعاد ("بوليغرافيا" polygraphie )، بمعنى أنّه علينا أن نضع كلّ نقطة نركّز عليها اهتمامنا في إطارها الأوسع الممكن. وبالنسبة إلى قرية من قرى الساحل مثل الوردانين يصبح من البديهي، أخيرا، أن نضعها في إطار بقية قرى الساحل والمناطق الوسطى من البلاد التونسية أو حتى في إطار أوسع من ذلك بكثير يشمل مقارنة نماذج بعينها من القرى والمواقع الريفيّة.
أصل تسمية الوردانين:
هناك من يربط بين تسمية الوردانين وبين ورود الماء فيعتبرها تحريفا للواردين أي واردي الماء خاصة وأنّ بها آبارا في داخلها وحولها كانت وراء إعمارها وإعمار غروسها من الزيتون واللوز والتين وغيرها من الأشجار المثمرة منذ عصور قديمة. وقد لا يكون هذا الربط خاطئا في المطلق لكنّه غير دقيق.
ذلك أنّنا نجد في المصادر العربية مثل لسان العرب لابن منظور وكتاب المعارف لابن قتيبة وفتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم ومعجم البلدان للبكري وغيرها حديثا عن وردان، وهو يوافق اسم واد ببلاد الشام وكذلك اسم شخصين معروفين الأوّل هو مولى للرسول (صلعم) والثاني كان مولى وحامل اللواء لعمرو بن العاص والي مصر في زمن عمر بن الخطّاب ثم أصبح عاملا له على الخراج ([1]) وعلى اسمه سمي سوق وردان بالفسطاط (القاهرة) ([2]).
كذلك سمّيت خطة بالفسطاط باسم وردان مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح فاتح إفريقية ([3]). ويدقّق ياقوت الحموي المسألة فينسب الخطّة إلى عيسى بن وردان وليس إلى أبيه ([4]).
ويذكر ابن عبد الحكم أيضا:" زقاق وردان مولى ابن أبي سرح"، ثم "دور بني وردان" قرب المسجد الجامع المعروف بجامع عمرو بن العاص، ويقصد وردان مولى عمرو بن العاص، وكذلك بالخصوص: "دور الوردانيين" وهي نفسها ([5]).
ونجد أيضا شخصية أخرى هامة مذكورة في نفس الكتاب وهي موسى بن وردان الذي يبدو أنّه كانت له علاقة بعقبة بن نافع والفهريين وقد يكون انتقل معه من الفسطاط إلى إفريقية بعد افتكاك داره بأمر من عمر بن عبد العزيز كما يذكر ابن عبد الحكم ([6]). وفي هذه الحالة يمكننا تصوّر الوردانية أو الوردانيين يمثّلون عموما أحفاد هذا الرجل الذي كان رجلا عالما وتاجرا كبيرا من التابعين حيث أدرك كما يقول في شهادته عددا من أصحاب الرسول (صلعم) منهم سعيد بن المسيّب ([7]) وروى عنهم أحاديث منها ما نقله ابن عبد الحكم ([8]):
 
"حديث ابن لهيعة (وهو أشهر من روى فتوح إفريقية خاصة فيما يتعلّق بأخبار عقبة)، عن موسى بن وردان، عن أبي الهيثم، عن أبي بصرة أنّ رسول الله صلعم قال: الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معيّ واحد".
وقد يكون لموسى بن وردان أحفاد بالفسطاط يسمّون بني وردان ([9]).
ونجد أيضا حيّا ببخارى اسمه وردانة، وكذلك حيّا ببغداد اسمه الوردانيّة ([10]).
ويضيف ياقوت "وادي وردان موضع بالبادية" يقصد بادية الشام ([11]). فهل يمثّل لفظ وردان اسما متداولا لدى الأفراد وربّما أيضا الجماعات قبل الإسلام في البيئة الشرقية المتأغرقة؟ ربّما.
ويذكّرنا قول ابن عبد الحكم "دور الوردانيّين" نسبة لوردان مولى عمرو بن العاص بقول التجاني صاحب الرحلة الشهيرة عن قريتنا الوردانين: "قصور الوردانيّين" ([12]).
خلاصة القول، قد تكون تسمية الوردانين مستمدّة من شخص وردان مولى ابن أبي سرح على الأرجح، أو من موسى بن وردان العالم التابعي الذي عرف عقبة بن نافع وربّما انتقل معه إلى إفريقية، أو أخيرا من إحدى الجماعات المسمّاة باسم بني وردان أو الوردانيّين والتي قد تكون انتقلت من المشرق إلى إفريقيّة في فترة مبكرة لا تتجاوز العصر الأغلبي بما أنّ ذكر قريتنا الوردانين في المصادر العربية يبدأ مع نهاية هذا العصر كما سنرى.
 
**********************************************************
[1] ) – ابن عبد الحكم: فتوح مصر والمغرب، تحقيق: علي محمد عمر، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، ص 53 وغيرها.
[2] ) ن.م.، ص 124-125./ ابن قتيبة: المعارف، ص 287: " ومن موالي عمرو، وردان، كان ذا رأي وفكر. وله بمصر ولد، وسوق، تعرف بسوق وردان".
[3] ) – ابن عبد الحكم، ص 146.
[4] ) – الحموي (ياقوت): كتاب المشترك وضعا والمفترق صقعا، بيروت: عالم الكتب، 1986 (ط2)، ص 360.
[5] ) – ابن عبد الحكم، م.م.، ن.ص.
[6] ) – ن.م.، ص 124.
[7] ) – ن.م.، ص 263.
[8] ) – ن.م.، ص 142. وتفصيل الرواية بالصفحة 314.
[9] ) – ن.م.، ص 125.
[10] ) – الفيروزآبادي : القاموس المحيط، مادة " ورد"، ج 1، ص 358.
[11] ) – الحموي، م.م.، ن.ص.
[12] ) – التجاني: رحلة التجاني، تحقيق: حسن حسني عبد الوهاب، تونس: المطبعة الرسمية، 1958، ص 56.

كاتب الموضوع

تسجلات زمان

1 تعليق على موضوع : مقدّمة عن مدينة الوردانين

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    بوّابة الوردانين

    2017