-->
بوّابة الوردانين بوّابة الوردانين

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

المعمار والفنون بالوردانين

الوردانين على درب الحداثة
من الناحية المعمارية، عُرفت الوردانين في أقدم المصادر العربية كمجموعة قصور تماما مثل قصور الساف، ولم تذكر المصادر مثلا قصر الوردانين مثل قصر هلال وفي هذا إشارة إلى تعدّد القصور بها منذ البداية، وقد كانت مدينة مساكن أيضا تتكوّن من قصور عددها خمسة كما تقول المصادر. لكنّنا لا نعرف كم عدد قصور الوردانين وإن كنّا نرجّح أنّها لم تكن تزيد عن الثلاثة أو الأربعة بقيت بعض ملامحها بيّنة من خلال مخطّط القرية في القرن التاسع عشر وحتى اليوم، حيث نجد قصرا كبيرا هو الأبرز في منطقة قصر الشعب وما حوله. كما نجد قصران آخران
قبالة هذا القصر الكبير في محلة مقرّ البلدية القديم والجامع القديم، وتفصل بين هذه القصور أو تربط ساحة الرحبة التي تعني سوق الماشية ومربط القوافل. والرحَبة في المدن العربية القديمة مثل الأمصار (الكوفة والبصرة والفسطاط..) كانت تمثّل الساحة الأساسية أو المركزية وهي توافق تقريبا "الأغورا" الإغريقية.
ولئن كان شكل القصور الساحلية قد تبلور في العهد الحفصي أو قبله بقليل كما تشير إلى ذلك بعض الدراسات ([1])، غير أنّ ظاهرة القصور كما قلنا أقدم وبعضها يعود حتى إلى نهاية العهد العتيق. ولعلّ العامل الأساسي في إحياء أو تدعيم هذا الشكل التحصيني للقرى الساحلية كان طبعا العامل الأمني. وليس لدينا شاهد مباشر من حفرية أثرية مثلا عن شكل هذه القصور في كلّ عصر، فذلك ممّا نطمح إلى تحقّقه، لكنّ الخطط التي وصلتنا من القرن التاسع عشر أو تلك التي يمكننا مقارنتها بها من قصور الجنوب التونسي وقصور الجنوب الجزائري (منطقة مزاب) وكذلك الأطلس المغربي تجعلنا نتصوّر الشكل العام لهذه القصور شبيها بقصور مطماطة مثلا أو قصور البربر بالأطلس الكبير. وبينها طبعا فروق طفيفة لكنّها تتشابه عموما ويشبهها أيضا الرباط في هيكله العام. فهناك غرف ومساكن مترابطة وفق الروابط الدموية العشائرية تحيط بفناء كبير يمثّل ساحة مركزية للتجمّع العشائري والاحتفالات والأنشطة المختلفة. و نجد داخل القصر مخازن للمؤونة وزرائب للماشية ومحلاّت حرفية وغير ذلك من المرافق التي تسمح في أوقات انعدام الأمن بالانغلاق لفترة محدودة من الزمن وحماية الأنفس والممتلكات. وفي الحقيقة تعود فكرة القصور إلى أقدم العصور منذ بدأ الإنسان تشييد القرى الزراعية-الرعوية الأولى قبل عشرة آلاف سنة في منطقة "الهلال الخصيب".

لسنا ندري كيف تكوّنت مجموعة القصور بالوردانين وأيها أقدم، غير أنّ بعض العلامات المعمارية قد تشير إلى كون موضع الجامع الكبير كان هو الأصل حيث نجد به إلى اليوم أعمدة عتيقة وخاصة تيجانا كان بعضها ينتمي إلى كنيسة ربما تعود إلى العهد البيزنطي وقد كسرت أطراف الصلبان المنقوشة عليها حتى تختفي ملامحها.

ونجد قرب الجامع رحبة حافظت على تسميتها العربية الأصيلة إلى اليوم تقريبا وإن أضيفت لها بعد إعادة تهيئتها تسمية ساحة الشهداء. والرحبة في اللغة العربية هي مربط الخيل والساحة العامة والسوق المنتظمة دوريّا (أسبوعيّا بشكل خاص) وقد كانت تقع دوما في مركز الأمصار الإسلامية إلى جانب الجامع والقصر، ولعلّ وجودها في الوردانين كما في قرى ساحلية أخرى دليل على ذاكرة تراثية حيّة.
وفي العصور الموالية، نشأت حول الجامع والرحبة الملاصقة له وفي مواقع القصور أحياء سكنية حافظت فيما يبدو على شكل الإطار السكني المتلاصق والمنسجم اجتماعيا أي مثّلت انتماءات عشائرية أو عائلية محدّدة. وقد يكون من المفيد في خلال دراسة التركيبة السكانية لهذه الأحياء أن نضع خارطة لتوزع العائلات وفق نسق اندماجها في المركز عبر الأجيال، ففي هذه الدراسة أهمية خاصة لمزيد تعميق معرفتنا لآليات الاندماج الاجتماعي في البيئات الحضرية العربية-الإسلامية.
وبعد الاستقلال، أضيفت أحياء جديدة مثل "الحومة القبلية" التي نجد فيها تأثيرا لتخطيطات حاولت إضفاء صبغة حضرية حديثة على المشهد العمراني التقليدي للقرية مع إضافة تحسينات في منطقة الرحبة وبناء قصر الشعب أو الثقافة فيما بعد ومكتبة عمومية كانت تمثل قبل هدمها المأساوي تحفة معمارية نادرة في قرى الساحل عامة.
وفي السنوات الأخيرة لم تشهد الوردانين نهضة عمرانية كما كان مأمولا لها رغم مجهودات رؤساء البلديات المتعاقبين وذلك نظرا إلى تفتت المجال الحضري على الأطراف وعدم تجدّده في المركز، وتبدو لهذه المشكلة جذور عقارية وخاصة استثمارية حيث أنّ هشاشة البنية التحتية الصناعية وتقهقر النشاطات بل والملكيات الزراعية الواعدة ألقى بظلاله على الثروة المحلية وسوق الشغل والتعمير والاستثمار العقاري.


[1] ) – محمد حسن: المدينة والبادية، ج1، ص 241-242.








كاتب الموضوع

تسجلات زمان

0 تعليق على موضوع : المعمار والفنون بالوردانين

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    بوّابة الوردانين

    2017