-->
بوّابة الوردانين بوّابة الوردانين

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

التطوّر الديمغرافي لسكّان الوردانين

16.64_1

ليس في إمكاننا اليوم معرفة حجم سكان الوردانين قبل العصر العثماني لكون الدراسة الأثرية لم تقم بعد بها وإن كنّا نميل إلى أنّ السمة الأساسية كانت، بصفة عامة، استقرار عدد السكان في قصور الوردانيين وعدم وجود زيادات كبيرة فيها بل كانت فيما يبدو أعداد من أبنائها تهاجر بانتظام إلى المدن مثل سوسة والمنستير وحتى تونس بفعل الارتباط بالتجارة والصناعات وخاصة بفعل الارتباط بالعلم والوظائف الرسمية. لذا، لا نستغرب أن تكون قصور الوردانيين لا تزال إلى اليوم معالمها واضحة لم تتبدّل غير قليل ولا يزال حجم القرية الأصلي محدّدا في داخل خارطتها، ممّا يدلّ على هذا الاستقرار في عدد السكان منذ العصر الحفصي على الأقل.

ولدينا في العصر العثماني إحصاء قامت به بعثة المدرسة الحربية بباردو التي أسسها أحمد باي سنة 1840 قدّر عدد الرجال الدافعين للجباية في منتصف القرن التاسع عشر ب 322 شخصا يتوزّعون على 180 منزلا.

وبمقارنة ذلك بما لدينا من معطيات مع بداية عهد الحماية حيث قدّر عدد سكّان الوردانين سنة 1884 بحوالي 2402 نفسا موزّعين على 200 منزلا، نكون قد توصّلنا إلى معدّل رجلين خاضعين للجباية في كلّ منزل ومعدّل 8 إلى 10 أشخاص آخرين معه أو تحت سلطته بين نساء وأطفال وشباب. ويبدو أنّ هذه النسبة لم تتغيّر طوال القرن التاسع عشر كما لم يتغيّر عدد سكّان القرية إلاّ قليلا حيث انضاف 20 منزلا تقريبا على امتداد نصف قرن. طبعا ليست هذه الأرقام دقيقة ولكنّها سلّم قياس تقريبي مفيد وذي دلالة كبيرة.

ويمكننا التأكد من أهميته عندما نقرأ أنّ عدد سكان الوردانين قد بلغ سنة 1956 حوالي 4762 أي أنّه تضاعف بعد ما يقرب من القرن وهو المعدّل العام للتطوّر السكاني على كامل التراب التونسي.

ثم في سنة 1976 بلغ عدد سكان الوردانين 8153 نفرا موزّعين على 1481 منزلا أي أقل بقليل من المعدّل القديم 7 إلى 8 أشخاص لكلّ منزل وهو ما يفهم بفعل تنامي السكن المستقل للأسر الجديدة ([1]).

 من عصور ما قبل التاريخ إلى نهاية العصر العتيق:

لسنا ندري أيّ شيء إلى حدّ اليوم عن المواقع الأثرية التي قد تعود إلى ما قبل التاريخ في منطقة الوردانين. لكنّ الاحتمال كبير أن تصل الاستكشافات في يوم ما إلى لقى أثرية للإنسان القبصي مثلا أو البربري القديم Proto-berbère كما وقع اكتشاف ذلك في عدد من المناطق التونسية بما فيها منطقة الساحل.

وقبل العهد البوني كانت حركة الاستيطان البربرية في منطقة الساحل المحيطة بالوردانين مكثفة من سوسة إلى المنستير وحتى المهدية ([2]).

وفي العصر البوني (القرطاجي) أصبحت مدينة حضرموت (سوسة) عاصمة لإقليم الساحل وما حوله (المزاق أو بيزاكيوم Byzacium كما أصبحت تعرف في العهد الروماني) ومن جملة القرى التابعة كانت على الأرجح الوردانين موجودة آنذاك ولو في شكل متواضع نظرا إلى موقعها الاستراتيجي الهام، وقد تكون مركزا لضيعة أو مجموعة ضيعات فلاحية. وعلى كلّ فهي قد استفادت بالضرورة من مشروع غراسة غابة الزيتون التي بدأها البونيون على الأقل منذ عهد حنبعل وأسرته وأكملها الرومان. غير أنّ السمة البارزة فيما يبدو لكامل منطقة الساحل في هذه العصور هو طغيان زراعة الحبوب وقلة غراسات الزيتون. فهل كان هناك اهتمام أكبر بأشجار مثمرة أخرى مثل اللوز والتين؟ هذا ما قد تشير إليه قلة المواقع التي عثر فيها على آثار معاصر للزيت حتى في العهد الروماني.

وفي العهد الروماني بالذات تكثّفت عملية الاستيطان بمنطقة الوردانين كما تدلّ عليها الشبكة الواسعة من المواقع والآثار التي تعود خاصة إلى العهد الروماني الامبراطوري مثل الأواني والكسور الفخّارية من صنف السجلّي poterie sigillée المتناثرة في كلّ مكان من حولها ( وهو فخّار أحمر اللون ذي عجينة طينية ممتازة وفي كثير من الأحيان تكون عليه رسوم طبيعية مطبوعة كأنها ختوم ومنه تسمية سجلّي).

ويبدو أنّ الوردانين قد اندمجت في العهد الروماني -وربما حتى قبله في العهد البوني- في شبكة واسعة من التخطيط العقاري المنتظم cadastres الذي ترك آثاره على مستوى مسارات الطرقات العامة عبر المنطقة وهو ما يعرف في العهد الروماني بالتقسيمات العقارية المائوية centuriations والتي نجد آثارها بارزة للعيان في مناطق مختلفة من الساحل مثل منطقة النفيضة ([3]). وتتمثّل الاتجاهات العامة للخطوط المتقاطعة لهذه التقسيمات الرومانية المنتظمة في اتجاه طولي شمال-غربي إلى جنوب- شرقي وفي اتجاه عرضي شمال-شرقي إلى جنوب –غربي. والتقسيمات الرومانية في إفريقية كانت عموما في شكل شبكة هندسية من المربّعات المتساوية التي قد تتجاوز مساحتها قليلا 50 هكتارا (وهي القسمة المائوية centurie )، وهي في الحقيقة شبكتان تختلفان بحوالي 8 درجات: واحدة أقدم تشمل المناطق التابعة مباشرة لقرطاجة والثانية من عهد الامبراطور "تيباريوس" في القرن الثاني للميلاد تشمل المناطق التي وقع الاستيلاء عليها لاحقا من قبل الرومان ومنها منطقة الساحل ([4]).

وإذا طبّقنا هذا التقسيم على منطقة الوردانين، فإنّنا نلاحظ بيسر تقاطع طرقات عديدة حولها بنفس الدرجة من الميلان الجغرافي مثل طريق الساحلين-الوردانين- البرجين العرضي وطريق القصيبة-الثريات-الوردانين- جمّال الطولي (وهو يتصل شمالا بالقلعة الصغيرة ثم القلعة الكبيرة وما فوقها وجنوبا ببني حسّان وغيرها)، وقس على ذلك مع طريق بنبلة-منزل كامل العرضي وطريق مساكن- منزل كامل –زرمدين الطولي وغيرها من الطرقات التي لا تزال تحاكي هذه الشبكة التخطيطية القديمة.

ولعلّ شهادة التجاني تسلّط الضوء على استمرار هذا الانتظام إلى العصور الإسلامية، حيث يقول: " وكان مسيرنا منذ فارقنا الجم في الزيتون القديم المتّصل المعروف بزيتون الساحل وقد أذهب إفساد العرب (يقصد الأعراب) أكثره، وغيّر بعد الاستواء أسطره، فكأنّه كان مغروسا على حالة معلومة، وأسطر متناسبة منظومة، فأبطل الإفساد أكثر ذلك، وعلى هذا الزيتون كان مدار غلاّت إفريقية في القديم...قال الرشاطي في كتابه المسمّى باقتباس الأنوار: وإنّما سمّي هذا الموضع الساحل وليس بساحل بحر لكثرة ما فيه من سواد الزيتون والشجر والكرم، قال وهو كلّه قرى متّصلة البعض بالبعض.." ([5]).

وفي الحقيقة، سمّي الساحل كذلك لأنّه ساحل القيروان التي كانت عاصمة الإقليم وكان هو مجالها البحري والزراعي المباشر حيث اتّسعت ملكيّات أهالي العاصمة القيروانية منذ العهود الإسلامية الأولى إلى مناطق عديدة من الساحل بما فيها منطقة الوردانين ومساكن وغيرها.

غير أنّ الدراسات الحديثة تميل إلى كون منطقة الساحل بصفة عامة وخاصة فيما حول الوردانين لم تكن أبدا كثيفة السكان ولا المستوطنات لعدّة عوامل من أبرزها أهمية المدن الساحلية مثل سوسة واستقطابها لظهيرها الريفي منذ العصر البوني وكذلك أهمية الملكيّات الكبرى التي كانت على ملك أثرياء من الحواضر الكبرى ومن القرى القديمة الشبيهة بالحواضر ([6])، وقد تكون الوردانين من بين هذه القرى الأصيلة التي توزّعت من حولها ملكيّات زراعية كبيرة كان أصحابها من أعيان القرية وربما أيضا من أعيان المدن المجاورة خاصة سوسة.

وقد يكون العدد الكبير للهناشير (الضيعات) في المنطقة علامة دالة على تواصل هذا النظام من الملكيات الزراعية الكبرى حتى العصور الإسلامية.

وفي نهاية العصور العتيقة (السابقة للإسلام)، ظهرت علامات تغيّر مناخي نحو الجفاف ولكنّ ذلك ليس العامل الأساسي لقلة المستوطنات الريفية ([7]) وإنّما يبدو أنّ تقاليد حضرية أساسية جعلت سكان المنطقة يحبّذون الاستيطان في المراكز الحضرية الهامة ثم انضافت إلى ذلك عوامل أمنيّة في العصر الوندالي ثم البيزنطي فرضت تدعيم هذا التوجّه التكثّفي للسكن الحضري في مواقع قليلة تتميّز بخصائص تحصينية كافية لحماية السكان وبذلك نرجع تكوّن قصور الوردانيين إلى هذه المرحلة الانتقالية قبيل دخول العرب الفاتحين.

من الفتح العربي-الإسلامي إلى الاستعمار الأجنبي:

يبو أنّ قصور الوردانيّين أخذت تسميتها تعريبا أو بعد هجرة بعض بني وردان إليها إثر الفتح العربي في فترة قريبة من عهد عقبة بن نافع الفهري، حيث كانت المنطقة بصفة عامة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقيروان وأهلها. وقد يكون لبعض أعيان القيروان في العصر الأغلبي ضيعات كبيرة في منطقة الوردانين امتدادا مع ضيعات تعود إلى العصر الروماني-البيزنطي.

وقد حافظت الوردانين بالفعل على علاقات مميّزة مع القيروان إلى العصر الحديث حيث نجد ملكيّات عقّارية أصبحت محبّسة على سيدي الصحبي وكذلك سيدي الدهماني وغيرهما من أولياء القيروان.

وقد جاء أوّل ذكر للوردانين في رواية تتحدّث عن أبي محمد يونس بن محمد الورداني الذي كان من علماء السنة والمالكية من تلامذة الإمام سحنون بن سعيد بالقيروان في أواخر عهد الأغالبة.

تقول الرواية كما ينقلها لنا التجاني: " وهنالك قصور الوردانيّين وهي القرية التي أزمع أهلها على قتل الشيخ الصالح أبي يوسف الدهماني رحمه الله أيّام سكناه بمسجد غانم على قرب منهم واتّفقوا مع بعض العرب فظهرت له معهم الكرامة المشهورة ولقيه العربي فخرّ عن فرسه لاثما قدمي الشيخ طالبا منه الدعاء وعرفه القضيّة وسأل منه أن يركب فرسه فأسعفه بذلك وقال له: يا بنيّ علم الله ضعفي وقلّة قدرتي على المشي فأتاني بك وتاب العربي وحسنت حاله.

ينسب إلى الوردانيّين هذه أبو محمد يونس بن محمد الورداني كان صالحا جليل القدر ثبتا في روايته أخذ العلم عن سحنون بن سعيد وصحّح عليه جميع كتبه ودعا الله تعالى أن يخمل ذكره فكان لا يولد له. ولمّا دخل عبيد الله الشيعي إفريقية وغلب التشيّع على أهلها جمع أبو محمد هذا أهله وقال لهم إنّ أمر هؤلاء القوم قد اشتهر فإمّا أن تتركوني أفرّ بديني إلى بلد لا حكم لهم عليه وإمّا أن أحمل نفسي على الاشتغال برعي البقر لعلّي أسلم من فتنتهم، فعظم ذلك عليهم ثم رأوا أنّ رعي البقر خير لهم من مفارقته فأجابوه إلى ذلك فكان يحمل مصحفه معه ويبعد عن العمران ويقبل على القراءة فإذا جنّ الليل أقبل بالبقر إلى منزله وربّما أراد بعض الناس زيارته فإذا رآهم من بعد صاح وهرول ويريهم أنّ في عقله اختلالا، توفّي سنة تسع وتسعين ومائتين" ([8]).

وتتميّز أسطورة الدهماني بربطها بين أهل الوردانين والأعراب من حولهم في حلف لعلّه كان مؤشّرا على نجاح هذه القرية في احتواء الخطر الذي كان يمثّله الأعراب على معظم قرى ومدن الساحل وما حوله. كما تشير هذه الأسطورة إلى أصل الرمزي للعلاقة المميّزة التي ستصبح موجودة بين أهالي الوردانين والولي القيرواني أبي يوسف يعقوب الدهماني (الذي عاش في نهاية القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر للميلاد / السادس-السابع للهجرة وعاصر من المشايخ المعروفين أبي مدين شعيب) وهي امتداد لعلاقتهم الأصيلة بالقيروان منذ العهد الأغلبي على الأقل. وقد تكون الفترة المقصودة بين سنتي 580 هـ (1184م) و595 هـ (1198م) ([9]).

وتتكرّر مثل هذه الأساطير في خصوص عدد كبير من الأولياء الذين يروّضون المقاتلين الأعراب ويدمجونهم في المجتمعات الحضرية للبلاد، وهو نفسه من أصل أعرابي لكنّه أصبح من سكان حاضرة القيروان وله بها عقب. وليس لنا أن نأخذ محمل الجدّ قول الأسطورة بأنّ أهالي الوردانين كانوا فعلا يريدون قتل الشيخ وإنّما علينا أن نرى في ذلك علامة على الأهمية المحورية لهذه القرية بالنسبة إلى الأعراب المحيطين بها، وبذلك نفهم أنّها استقطبتهم كسوق فلاحية ومركز ديني بكثرة ما حفلت به من المزارات (المقامات والترب وخاصة تربة العالم يونس بن محمد) دون أن يستوطنوها بالضرورة.

ويقول العلاّمة حسن حسني عبد الوهاب: " ومن منازل الساحل المذكورة في العصر الأغلبي قرية (الوردانين) وكان بها قديما مسجد جامع وكتاتيب وحمّام وسوق أسبوعيّة، واشتهر من سكّانها (يونس بن محمد الورداني) قرأ بالقيروان على كبار تلاميذ سحنون، وأتقن العلوم الشرعية واللسانية، فلمّا امتلك عبيد الله الفاطمي أمر إفريقية أخذ يطالب أهل الفضل والدين بتقليد مذهبه الشيعي، فخاف الشيخ يونس على نفسه من الفتنة فتحوّل إلى أهله بالوردانين، وعزم على الاختفاء وإخمال ذكره، فصار يرعى البقر، فإذا أصبح أخذ مصحفه وجعله في مخلاة وتقلّد بها وساق البقر إلى أن يبعد عن العمارة، وأقبل على تلاوة القرآن ومراجعة الدواوين العلميّة التي تلقّى سماعها عن شيوخه، فراجعها النهار أجمع، فإذا أمسى واختلط الظلام أقبل بالبقر على منزله. كان هذا دأبه حتى توفّي –رحمه الله- في خلال سنة 297 (910م) وما زال قبره معروفا يزار بالوردانين" ([10]).

والمقارنة بنص التجاني تجعلنا نصحّح قوله بأنّه قرأ على تلامذة سحنون فهو كان تلميذا مباشرا للإمام سحنون صحّح على يديه كتبه.

وهكذا اتّسعت ظاهرة الزوايا والحصون المرتبطة بها بل أصبحت الزوايا نفسها الحصون الجديدة التي دعّمت الأمن من خلال استقطاب الأولياء الصالحين للأعراب وإدماجهم في الحواضر أو خلق أحلاف بينهم وبين أهالي الحواضر وقد استعملت لفظة التوبة للدلالة على هذا الانتقال في موقف الأعراب من الصراع مع الحواضر (الحرابة كما تقل المصادر) إلى الانسجام والتعامل السلمي. وقد كان دور أبي يوسف يعقوب الدهماني في ذلك مشابها تماما لدور عدد كبير من الأولياء الذين هاجروا إلى الحواضر وتابوا بأنفسهم قبل أن يستقطبوا توبة أهاليهم من البدو الأعراب ([11]).

لقد كانت الوردانين في العهد العثماني وتحديدا بداية من القرن الثمن عشر للميلاد تابعة لما يسمى وطن أو قيادة سوسة إلى جانب القرى المحاذية لها من الشمال والغرب مثل مساكن، في حين كانت القرى المجاورة من الشرق والجنوب مثل معتمر ومسجد عيسى ومنزل خير وسيدي بو عثمان تتبع وطن المنستير ([12]).

وفي العهد الحسيني تحديدا، كانت الوردانين منسجمة مع السياسة العامة للدولة في مجال استثمار الأرض الزراعية وتنمية الغراسات للزيتون بالخصوص.

ومن الأعمال النادرة التي سلّطت بعض الضوء على الوردانين في العصر الحديث، نجد أطروحة الزميل محمد حسن وإحدى المداخلات القيمة لزميلنا سامي البرقاوي تتحدّث عن مشروع إحداث غابة الزيتون بين الوردانين ومساكن بإيعاز من السلطة الحسينية ومشاركة أعيان وأهالي الوردانين ومساكن، فمن الوردانين نجد محمد قريسة الذي كان مغارسا في هذا المشروع الكبير إلى جانب محمد كرموص من أعيان مساكن وكلاهما كان في فترة معيّنة نائبا للزاوية وقد كان محمد قريسة أيضا من ضبّاط الجيش الحسيني. وكانت هذه الغابة الجديدة داخلة في هنشير "الوفيّم" الذي وضع تحت رعاية مقام سيدي الصحبي بالقيروان بين 1733 و1767 بأمر ملكي ("توجّه" كما تسمّيه الوثائق) وأصبح بذلك حبسا على الزاوية ([13]).

وقد يكون هذا الهنشير الذي ساهم في تكوين غابة الزيتون الحالية بين الوردانين ومساكن في المواقع التي نجد بها تسميات تركي والباي (واد الباي) من الجهة الشمالية والشمالية- الغربية للوردانين.

ولدينا إحصائيات قليلة تبيّن هذا المجهود حيث بلغ عدد أشجار الزيتون المنسوبة إلى أهالي الوردانين سنة 1838 أكثر من 87 ألف شجرة زيتون (87379) ([14]).

كما نجد إحصائية نادرة تبيّن أنّ عدد معاصر الزيتون بالوردانين قد بلغ في منتصف القرن التاسع عشر (تحديدا سنة 1266 هـ/ 1849-1850م) 21 معصرة ( 13 منها من الصنف السلطاني أي المتطوّر الذي يستعمل الآلة الضاغطة pressoir و8 من صنف ضرب الماء البسيط التي تعتمد على زيادة الماء للزيتون المكسّر حتى يطفو الزيت فوقه فيجمع) ([15]).

وفي خصوص الجوامع والمساجد والزوايا، نجد في إحصائية المدرسة الحربية بباردو السابقة لهذه أنّه كان بالوردانين هناك في هذه الفترة جامع خطبة واحد و3 مساجد أبرزها مسجد زعبوب و21 زاوية ومقام وتربة أشهرها مقام سيدي محمد بن يونس ومقام سيدي محمد الحطّاب وزاوية سيدي عبد القادر الجبالي وهذه القائمة الكاملة كما وردت في المصادر ([16]):

- مقام سيدي محمد الحطّاب

- مقام سيدي عبد الوهاب

- مقام سيدي قرّوش

- مقامان لرجال التويّ

- مقام سيدي محمد البلوي

- مقام سيدي إبراهيم

- مقام سيدي بلقاسم

- مقام سيدي فرج

- مقام سيدي أبي عبد الله بن يعقوب (ت 724 هـ) ولعلّه أحد أبناء الشيخ أبي يوسف يعقوب الدهماني الذي كانت له قصّة مع أهالي الوردانين حسب الأسطورة التي ذكرناها وتوفي سنة 621 هـ ( 1224م) ([17])

- زاوية سيدي عبد القادر الجبالي

- تربة سيدي يوسف

- تربة سيدي زكري

- تربة سيدي النابلي (مع مسجد)

- تربة سيدي المعبّي ( مع مسجد)

- تربة سيدي محمد بن يونس وقد يكون هو نفسه يونس بن محمد المذكور في المصادر العائد إلى العهد الأغلبي-الفاطمي حيث يقول العلاّمة حسن حسني عبد الوهاب: "وما زال قبره معروفا يزار بالوردانين" ([18]).

- تربة سيدي مصباح

- تربة السيدة لطيفة

- تربة للاّ (السيّدة) الضوّاية أو السمراء

- تربة للاّ (السيّدة) العلجيّة

- تربة للاّ فاطمة

- حوطة رجال النور (الأربعين)

والملاحظ أنّ عدد هذه الزوايا والمقامات والترب بدأ يتقلّص بالتدريج في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ( 18 في بداية القرن العشرين) ثم اندثر تماما أو يكاد عدا عدد قليل منها لا يزال معروفا حتى اليوم.

ولدينا معلومات عن مشايخ الوردانين سنة 1860 فهم ثلاثة: الحاج أحمد بن سالم ورجب سعيد وأحمد قريسة ([19]).

وفي دراسة أخرى خاصة بموضوع عدول الإشهاد في منطقة الساحل في بداية عهد الحماية (1874-1904) نجد أنّ الوردانين كان بها 8 عدول مما يدلّ على أهميتها الإدارية (مقارنة: 9 بجمال و7 بالقلعة الصغرى و6 بمنزل كامل و 4 بالساحلين و8 بقصر هلال ...) ويعلّق عبد الواحد المكني على ذلك بقوله: "وتفسّر كثرة العدول بالساحل بسبب تزايد العمران ورواج المعاملات وبأهمية الثروة الاقتصادية.." ([20]). ونضيف إلى هذا التفسير تفسيرا آخر لا يقلّ أهمية وهو رواج التعليم والاهتمام الكبير بالمعاملات المكتوبة بما يدلّ على درجة رفيعة التي بلغتها النخب في الساحل قبل الحماية وأثنائها مما يؤشّر بما تحمّلته فيما بعد من مسؤولية الحركة الوطنية وقد كانت الوردانين من أهم القرى التي انخرطت مبكرا في هذه الحركة بفضل حيوية ورفعة مستوى نخبتها المثقفة.

وقد تداول على هذا المنصب –منصب عدل الإشهاد- حسب نفس الدراسة وفي بداية الحماية عدد محدود من العائلات هي: البكوش ومنصور والورداني إضافة إلى قشيش ([21]). كما نجد ترقية مذكورة في السجل نفسه للعدل محمد الشتيوي دون ذكر قريته ونحن نظن انه من أبناء الوردانين ولكن لسنا ندري ما هي خطته الجديدة هل هي إفتاء أم قضاء أم غير ذلك؟ ([22]).


[1] )

- Sayadi (M.-S.) : Monastir, essai d’histoire sociale du XIXe siècle, Tunis: 1979, p. 331, p. 351-352.

[2] )

- Habib ben Younès : « Le Sahel préromain, pays des Libyphéniciens », in : Du Byzacium au Sahel, op.cit., p. 11- 20.

[3] )

- Abdellatif Mrabet/ Ahmed Boujarra : « Archéologie et Géomorphologie : Contribution à l’étude de l’évolution des paysages du Sahel Nord depuis l’Antiquité », in : Du Byzacium au Sahel, op.cit., p. 83-96.

[4] )

- Despois (J.) : La Tunisie Orientale, op.cit., p. 111-113.

[5] ) – التجاني: رحلة التجاني، ص 65-66.

[6] )

- Sadok Ben Baaziz : « Les établissements ruraux… », op.cit., p. 32-33.

[7] ) نحن لا نرى موجبا لإعطاء التقلّبات المناخية والجيومرفولوجية أهمية قصوى في ظاهرة ضعف الكثافة الاستيطانية قبيل الفتح العربي في منطقة الساحل كما تراها دراسة المرابط وبوجرّة سابقة الذكر، غير أنّه من المفيد حقّا أن نضيف هذه العوامل الطبيعية إلى فهمنا لظاهرة تقلّص بعض الزراعات والغراسات في مساحات معيّنة قرب السبخات مثلا.

[8] ) – التجاني : رحلة التجاني، ص 56-57.

[9] ) – محمد حسن: المدينة والبادية بإفريقية في العهد الحفصي، منشورات جامعة تونس الأولى، 1999، ، ج 2، ص 665.

[10] ) – حسن حسني عبد الوهاب: ورقات، القسم الثاني، ص 110-111. وبالهامش يذكر المالكي (أي كتابه رياض النفوس) الجزء الثاني، الصفحة 28 وكذلك المدارك لعياض، الجزء الثاني، الصفحة 31 (المخطوط).

[11] ) – محمد حسن: المدينة والبادية، ج 2، ص 664-672.

[12] )

- Bouzgarrou-Larguèche (Dalenda) : Watan Al Munastir, fiscalité et société (1676-1856), Tunis : Publications de la Faculté des Lettres de la Manouba, 1993 (Thèse soutenue en 1986) , p.17-27 (carte p. 19).

[13] )

- Sami Bergaoui : « La constitution de la forêt sahélienne, le cas de deux hinshirs à l’époque moderne », in : Du Byzacium au Sahel, op.cit., p.225-241.

[14] )

- Sayadi : Monastir, op.cit., p.351.

[15] ) ن.م.، ص 331.

- مخطوط المكتبة الوطنية عدد 18669 (رصيد حسن حسني عبد الوهاب) مؤرخة بسنة 1266 هـ.

[16] ) – ن.م.، ص 351-352.

[17] ) – محمد حسن: المدينة والبادية، ج2، ص 665، الهامش 1.

- ابن الدباغ (أبو زيد عبد الرحمان): الأسرار الجلية في المناقب الدهمانية، مخطوط المكتبة الوطنية رقم 17944، ج1، ص 14 ب.

[18] ) – ورقات، م.م.، القسم الثاني، ص 111.

[19] ) - ن.م، ص 351.

[20] ) – عبد الواحد المكني: "عدول الاشهاد بالساحل التونسي في بداية الحماية (1874-1904)، محاولة لدراسة التنفّذ الاجتماعي"، في: من البيزاكيوم إلى الساحل، مسيرة منطقة تونسية عبر العصور (القسم العربي)، ص 62-63.

[21] ) – ن.م.، ص 76 (الجدول).

[22] ) ن.م.، ص 81.

كاتب الموضوع

تسجلات زمان

0 تعليق على موضوع : التطوّر الديمغرافي لسكّان الوردانين

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    بوّابة الوردانين

    2017