-->
بوّابة الوردانين بوّابة الوردانين

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

منهجية ومصادر دراسة تاريخ وحضارة قرية تونسية: الوردانين نموذجا

monastir

منهجية ومصادر دراسة تاريخ وحضارة قرية تونسية: الوردانين نموذجا:

-أ- المصادر الأثرية:

بعد إقرار مشروع الخارطة الأثرية للبلاد التونسية منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي (وصدر القرار الرسمي في شأنه سنة 1992) بدأت الجهود الهامة التي يقوم بها عدد من الباحثين الأكفاء في إدارة مختصة يديرها اليوم السيد الصادق بن باعزيز (مقرّها منزل العلاّمة ابن خلدون بمنطقة تربة الباي بباب الجديد –تونس المدينة) للتقصّي والبحث الأثريين ([1]).
وقد تمّت بين 9 جوان 1987 و2 أفريل 1988 مجموعة لا بأس بها (عددها: 16) من البعثات الأثرية بمجهود مميّز جدّا من الباحث السيد الحبيب بن حسن وأحيانا بمعيّة الباحث نجيب برتاجي في كامل أرجاء المنطقة المحدّدة على الخريطة التوبوغرافية الموسومة باسم مدينة جمّال (مقاس 1: 50000 ). وفي خلال هذه البعثات وقع اكتشاف عدد كبير من البقايا والمواقع الأثرية الهامة في منطقة الوردانين تعود خاصة إلى العصر الروماني والعصور الإسلامية منها أواني وكسور من الفخار والخزف من العهود المختلفة وأعمدة وأسس وجدران بناءات بعضها ضيعات زراعية رومانية ومعاصر زيت قديمة ومقابر إلخ... (بلغ عدد المواقع الأثرية التي تمّ إحصاؤها إلى حدّ اليوم في المنطقة المحدّدة على خريطة جمّال 136 موقعا في انتظار استكمال الاستكشافات).
ولا تزال التقارير عن هذه البعثات لم تنشر بعد وكذلك لم تنشر الخارطة الأثرية باسم جمّال حتى اليوم نظرا إلى ضرورة إكمالها ببعثات وتقارير أخرى وافية وشاملة وهذا أمر قد يتطلّب جهودا لفرق عديدة من الباحثين. ونرجو أن يتحقق ذلك في القريب.

-ب- المصادر الكتابية:

لقد جاء ذكر الوردانين في المصادر العربية ارتباطا بأحداث سقوط الدولة الأغلبية وقيام الدولة الفاطمية. فهي إذن مذكورة في خصوص رواية أساسية يمكننا تتبعها في كلّ المصادر التي تناقلتها عن الأصل الذي قد يعود إلى المالكي (رياض النفوس) أو غيره من المصادر. ومن بين المصادر التي تنقل هذه الرواية بحذافيرها نجد التجاني في رحلته ثم الوزير السرّاج في الحلل السندسية في الأخبار التونسية.
وتمثّل رحلة أبي محمد عبد الله التجاني (المتوفى حوالي سنة 718 هـ/ 1318م) بالتأكيد أبرز مصدر بين أيدينا عن الوردانين حيث مرّ في رحلته بالقرب منها ونقل إلينا ما كان مشهورا من أمرها بين سكان الساحل في العصر الحفصي، حيث تمّت هذه الرحلة الطويلة بين الحاضرة الحفصية تونس ومنطقة برقة بالقطر الليبي بين ديسمبر 1306م ( جمادى الثانية 706 هـ) وسبتمبر 1308م ( صفر 708هـ) أي في عهد السلطان الواثق بالله الحفصي (المتوفى سنة 709 هـ/ 1309م).

2) الوسط الجغرافي الطبيعي والبشري:

-أ- الموقع والجغرافيا الطبيعية:

تقع الوردانين على رأس هضبة يصل معدّل ارتفاعها إلى حوالي السبعين مترا عن مستوى البحر (تصل إلى حوالي ثمانين مترا داخل الوردانين) مشرفة بذلك على ما حولها من القرى والمدن حيث يمكن أن نشاهد من أعلاها مدينتي سوسة والمنستير ليلا، كما تشرف هذه الهضبة الواسعة من الشرق على سبخة الساحلين-المنستير ومن الغرب على منطقة مساكن المرتفعة بدورها عن منخفض سيدي الهاني، ومن الشمال تشرف على منخفض واد حمدون والقرى المحاذية لمدينة سوسة ومن الجنوب على منخفض وادي المالح ومدينة جمال والطريق المارة عبر هذا المنخفض من المنستير إلى مشارف سبخة سيدي الهاني عبر منزل كامل.

وبفضل هذا الموقع الاستراتيجي الهام تمتدّ انطلاقا من الوردانين شبكة عنكبوتية الشكل من الطرقات والمسالك القديمة تصل بينها وبين مختلف القرى المحيطة مثل سيدي عامر ومعتمر والساحلين ومسجد عيسى والثريات (الفريّات قديما) والقصيبة شرقا وشمالا، ومساكن والبرجين وبني كلثوم ومنزل خير وسيدي بوعثمان و بير الطيب ومنزل كامل غربا وجنوبا ([2]).
من حيث المعطيات الطبيعية، تمثّل هذه الهضبة امتدادا للهضبة المقابلة لها جنوبا من زرمدين إلى بني حسان ومشارف العميرة وحتى بومرداس وهي كلّها من بقايا الزمن الجيولوجي الثالث (ميوسين-بليوسين) ([3])، يتخلّلها منخفض الواد المالح ومنطقة البحيرة والمرج وغيرها من المناطق المحاذية لمدينة جمال وعدد من القرى المجاورة من بنبلة حتى منزل كامل وهي تمثل منطقة فيضيّة حديثة التكوين.
- التربة:
منطقة الوردانين مثل معظم منطقة الساحل خاصة في وسطه وشماله من المهدية إلى النفيضة هي من الصنف الرملي-الطيني والرملي-الطيني-الكلسي وهي خفيفة بعض الشيء وتتكون في كثير من المواقع من تحلل الصخر الرملي grès ([4]). فهي بذلك تربة صالحة خاصة للغراسات مثل أشجار الزيتون واللوز والتين وبدرجة أقل لزراعة الحبوب. وبالطبع إذا توفّرت مياه الري بالآبار مثلا فهي تصبح منتجة للخضر وأصناف الثمار.

- المناخ :

بصفة عامة يعتبر المناخ في منطقة الساحل متوسّطيّا معتدلا، وفي قرية الوردانين تحديدا يمكن اعتباره كذلك تماما نظرا إلى قربها من البحر وارتفاعها عنه إلى الداخل مع التفاف غابة الزيتون بها من كلّ جانب مما يقلّل من نسبة الرطوبة ويجعل الطقس عموما لطيفا لا يبلغ حدّة البرودة شتاء ولا شدّة الحرارة صيفا كما هو الحال في قرى مجاورة لها.

الحرارة: معدّل شهر جانفي: بين 10 و 11 درجة حرارية / معدّل شهر جويلية: بين 25 و28 درجة حرارية ([5]).

التساقطات: معدل بين 300 و400 مم في السنة ([6])، مع أهمية التقلبات السنوية أو عدم استقرار التساقطات التي قد تتقلّص كثيرا وتتحوّل إلى ما يشبه حالة الجفاف على امتداد سنوات متتالية.

-ب- الجغرافيا البشرية والتاريخية:

من هم سكّان الوردانين وما هي أصولهم؟

يمكننا أن نتصوّر مقارنة ببقية قرى منطقة الساحل التونسي الجذور المختلطة لسكان الوردانين من بربرية وكنعانية-بونية ثم رومانية وبيزنطية (رومية) وجرمانية وغيرها، وبالطبع عربية.

ويبدو أنّ الوجود العربي بالوردانين كان مثل أكثر القرى القديمة بالساحل قد مرّ بمرحلتين أساسيتين: مرحلة أولى بعد الفتح العربي حيث استقرّ بها بعض الأسر القليلة القادمة من المشرق (مصر والشام والعراق وبعضها من عرب الجزيرة العربية وبعضها الآخر من المتعرّبة الذين يطلق عليهم الموالي) وإن كنّا نرجّح أنّ أغلب السكان بقوا في هذه المرحلة من أصول إفريقيّة قديمة.

أمّا المرحلة الثانية: فتتمثّل في قدوم الأعراب من صعيد مصر، بنو هلال وبنو سليم وغيرهم، فاستوطنوا أطراف القرى العامرة والمدن خاصة مثل سوسة والمنستير والمهدية وبدأ نفاذهم إلى داخل القرى بطيئا ووفق تحالفات قد تأخذ طابعا سياسيّا وأمنيّا في بعض الفترات ولكن تتخلّلها صراعات حول غابات الزيتون والمراعي ومنابع المياه وما شابه.

وفي العهدين المرابطي والموحّدي يبدو أنّ عددا من الأسر المرابطية أو أسر الأشراف القادمة من المغرب قد توزّعت على المدن والقرى بالساحل بما فيها الوردانين ومنها فيما يبدو عائلة قريسة (وفق ما أكده المرحوم الشيخ عبد الكريم قريسة).

وقد تواصلت بعد ذلك، أي في العصر الحفصي، عمليّة إدماج الأعراب بصورة انتقائية داخل القرى الساحلية بما فيها الوردانين وهنا نجد قصّة أهلها مع الشيخ الدهماني والأعراب المتحالفين معهم لاستغلال غابة الزيتون والمراعي المجاورة.

وفي العهد الحفصي وعندما طرد ملك إسبانيا الأندلسيين المسلمين سنة 1609 توجّهت أسر أندلسية إلى البلاد التونسية حيث أنشأت القرى المعروفة في الشمال (وادي مجردة) والوطن القبلي واستقر عدد منها داخل المدن والقرى القائمة. ويبدو أنّ أسرتين أو ثلاثة فقط استقرّت بالوردانين حسب دراسة حديثة وهو ما يتطلّب التأكيد.

في العهد العثماني، يبدو أنّ عددا قليلا جدا من الأسر التركية قد استقرّ بالوردانين والقرى المجاورة.

لكن الصبغة العامة تتمثّل في محافظة الوردانين على تركيبتها السكانية القديمة دون تغيير يذكر، وهو ما جعلها تعرف لدى جيرانها- مع بعض المبالغة أحيانا- بانغلاقها النسبي وتكتّل سكّانها وتلاحمهم خاصة في فترات الأزمات الكبرى التي عصفت بالبلاد التونسية حيث نجد استقرارا كبيرا لمواقف الأهالي وعدم انخراطهم في المغامرات السياسية للأطراف المتصارعة.

ويجدر بنا اليوم أن ندرس بالتفصيل أسماء الأسر والعائلات الكبرى بالوردانين وعلاقات المصاهرة بينهم وبين غيرهم من أهالي القرى والمدن المجاورة حتى نتبيّن بدقة هذه الأصول المختلفة وخاصة ما اتسمت به كما ألمحنا من الاستمرارية والاستقرار عبر التاريخ.

[1] )

- Sadok Ben Baaziz : « Les établissements ruraux du Sahel antique », in : Du Byzacium au Sahel, itinéraire historique d’une région tunisienne, textes réunis par : Abdellatif Mrabet, Tunis : L’Or du Temps, 1999, p. 31- 50.

[2] ) انظر الخريطة التوبوغرافية بمقياس 1: 50000 منطقة جمّال.

[3] )

- DESPOIS (Jean) : La Tunisie Orientale, Sahel et Basse Steppe, étude géographique, Paris : P.U.F., 1955 (1è éd. : 1940), p.46-53.

[4] ) – ن.م.، ص 56- 74.

[5] ) – ن.م.، ص 14-19.

[6] ) – ن.م.، ص 19- 29

كاتب الموضوع

تسجلات زمان

1 تعليق على موضوع : منهجية ومصادر دراسة تاريخ وحضارة قرية تونسية: الوردانين نموذجا

  • اضافة تعليق
  • هل هناك مسح كامل لأصول العائلات في الوردانين ؟ هناك علاقة مصاهرة بين مساكن والوردانين هل تم البحث فيها ؟


    الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    بوّابة الوردانين

    2017