-->
بوّابة الوردانين بوّابة الوردانين

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الوردانين على درب الحداثة

الوردانين على درب الحداثة
الوردانين على درب الحداثة:
يذكر العلاّمة حسن حسني عبد الوهّاب رجلا من رجال الوردانين كان أحد أعلام الإصلاح إلى جانب خير الدين باشا ولكنّه لم يلق إلى حدّ اليوم ما يستحقّ من العناية، وهو الرحّالة والمفكّر والأديب الورداني الأصل ونزيل أكودة علي بن سالم الورداني (1861-1905)، حيث يقول فيه: " علي بن سالم الورداني، نسبة إلى الوردانين من كبار قرى الساحل في دائرة سوسة، وقد زارها الرحّال التونسي عبد الله التجاني في أوائل القرن الثامن للهجرة وذكرها في رحلته، وبها ولد علي في سنة 1278 (1861م) ثمّ قدم في صباه إلى حضرة تونس ودخل المدرسة الصادقية لأوّل افتتاحها، وزاول العلوم بها وبرع في العربية وأتقن اللسانين التركي والفرنساوي، وتميّز بين أقرانه، فلحظه الوزير الكبير خير الدين باشا واتّخذه كاتبا في حاشيته، ولمّا استقال الوزير من منصبه بتونس وسافر إلى اسطنبول –عاصمة الخلافة العثمانية- استصحب معه الورداني- سنة 1295 (1878)، وقد استفاد علي كثيرا من إقامته بالأستانة حيث زاد في اتقانه للسان التركي، وقوي زاده في العلوم علاوة على تعرّفه لكثير من ذوي الأقدار بها.
https://ouardanine-wiki.blogspot.com/2012/04/blog-post_9711.html
ولمّا خطر بفكر السلطان عبد الحميد الثاني ارسال بعثة علميّة إلى اسبانيا وفرانسا وانكلترا للبحث عن المخطوطات العربية المحفوظة بخزائنها والتعريف بأهميتها، عرض الصدر الأعظم السابق خير الدين باشا على السلطان هذا الشاب التونسي لمرافقة البعثة يكون مترجما لما تحت رياسة العالم الطائر الصيت محمود التركزي الشنقيطي.
وبارحت البعثة اسطنبول يوم الأربعاء 19 ذي الحجة 1296 (8 سبتنبر 1878) على متن باخرة قاصدة مرسيليا، ومنها ركبت الرتل إلى مدينة بوردو، ثم دخلت إلى اسبانيا وحلّت بمدريد قاعدة البلاد، ومنها توجّهت إلى الاسكوريال حيث توجد مجموعة المخطوطات العربية، فاطّلعت اللجنة عليها وقيّدت ما اختارت منها في مدّة أيّام، ثم انتقلت إلى طليطلة فاشبيلية فغرناطة، فقرطبة، فبلنسية، فبرشلونة، ومنها عادت إلى باريس بعد أن قضت ثلاثة أشهر كاملة في اسبانيا.
ولمّا عادت البعثة إلى الأستانة، أقام الورداني مدّة هناك قدّم في أثنائها تقريرا في أعمال البعثة ونتيجة أبحاثها، ثم إنّه حنّ إلى مسقط رأسه وقد ترك به والدته المسنّة، فرجع إلى تونس وانخرط في سلك المترجمين بالوزارة الكبرى، ثم ترقّى إلى رتبة منشئ أوّل.
ومن ناحية أخرى، استمرّ على الاشتغال بالأدب ونشر المقالات والقصائد من نظمه في الجرائد المحلية، لا سيّما جريدة "الحاضرة" لما كان له مع صاحبها ومؤسسها المرحوم علي بوشوشة من المودّة المتينة والصحبة منذ الصبا وعهد الدراسة، كما كانت له علاقة ودّية بغالب الذوات التونسية المعاصرة.
وعاش علي الورداني أعزب إلى آخر حياته، وكان خفيف الروح، له مداعبات ومزح لطيف حبّبه إلى عارفيه، زيادة على ما كان عليه من كرم الأخلاق وحسن المعاشرة مع شيء من الغفلة بأمور الدنيا وشؤونها المادية، ممّا زاد في محبّة اخوانه له وعطفهم عليه.
وكان ينظم الشعر بالمناسبات فيجيد، ويحبّر المقالات الرائعة في شتّى المواضيع بقلم سلس وعبارة صحيحة فيصيب، في عصر كانت الثقافة العربية محصورة في التعليم الزيتوني البعيد عن معرفة التمدّن الغربي المتسيطر حينئذ على العالم بمخترعاته واكتشافاته.
وكانت وفاة علي الورداني في خلال سنة 1333 هـ (1905م) رحمه الله تعالى.
ولقد عرفته شخصيّا في زمان الشباب الباكر –أوائل القرن الافرنجي الحالي- فكنت أرغب منه –مع جملة الأحباب- أن يذكر لنا معالم الأندلس العربية الفاخرة التي زارها مثل قصر الحمراء في غرناطة وعجائب صنائعه، وقصر بني عبّاد في اشبيلية، والمسجد الجامع الأموي بقرطبة وغابة أعمدته المرمرية وغير ذلك، فكان –رحمه الله- يقصّ علينا ما عاينه من تلك الذخائر النفيسة بلهجته الهادئة الوديعة مع ما يتخلّل ذلك من الاستشهاد بمقطوعات من شعره وشعر غيره، فكنّا نستفيد من أحاديثه الشيّقة، ونتمتّع بها، في عصر لم تكن المطبوعات الفنيّة ولا كتب السياحة المصوّرة عن بلاد العالم منتشرة انتشارها اليوم الحاضر.
وبقي في ذاكرتي من أحاديثه الطريفة: أنّ البعثة العلمية التي صاحبها لمّا وصلت إلى قرطبة اتّجه أفرادها إلى زيارة المسجد الجامع –تلك الأعجوبة الفنية التي لا نظير لها في العالم الاسلامي- وكان من المصاحبين للوفد سفير الدولة العثمانية لدى حكومة اسبانيا، وقد أبى إلاّ أن يرافق البعثة في زيارتها للمعالم الإسلامية في الأندلس، قال الورداني برّد الله ثراه: " فلمّا دخلنا الجامع وتوسّطنا مساكبه أخذتني وحشة شديدة لدرجة أنّي انعزلت ناحية بعيدة، وقد اغرورقت عيناي بالدموع لما أصابني من التأثّر، فجلست في مكان منحرف عن صحبي، وبينما أنا في تفكيري وتأثيري إذ بيد من ورائي وضعت على كتفي من غير أن أشعر، فإذا هو سعادة سفير تركيا يضحك في وجهي ويخاطبني بقوله:
-يظهر أنّك انزعجت من رؤية جامع اسلامي حوّل إلى كنيسة؟ فاعلم أنّ مثل هذا يقع لكلّ الدول التي امتدّت فتوحها إلى الشرق والغرب، لكن لا تنسى أنّنا إذا خسرنا مسجدا تقام فيه الآن طقوس المسيحية، فإنّما نملك ما هو أعزّ وأثمن من ذلك في نظر هؤلاء المغتصبين: ألا وهي كنيسة القمامة بمدينة القدس، تلك التي يعتقدون إنّها تضمّ رفات إلاههم كما يزعمون، فاذكر هذا يهوّن عليك ما أصابك" ، فشكرت فضله لتنبيهي لما كنت عنه غافلا، والتحقت برفاقي مغتبطا ممّا سمعت".
ومن آثار علي الورداني –علاوة عن أشعاره ومقالاته المتنوّعة والموزّعة هنا وهناك- ذلك التقييد المفيد الذي عنونه (بالرحلة الأندلسية) وقد جمع فيها خبر الزيارة إلى بلاد اسبانيا وما شاهده من المعالم والآثار، ووصف أخلاق السكان وعوائدهم وملاهيهم ولباسهم وأكلهم وكلامهم مع ما يخطر له من الانتقاد في نظامات الهيئة الاجتماعية والإدارة، وما تثير مشاهداته في نفسه من المقارنة بين ما هو موجود بالأندلس إذّاك وبين بلاده القطر التونسي.
وبالجملة فإنّ رحلته هذه تعدّ أوّل رحلة إلى اسبانيا من شاب تونسي معاصر، محيط بالثقافتين العربية القديمة والافرنجية الحديثة إذ كان يحسن جيّدا اللسان الفرنسي وشيئا من الطلياني.
ونشرت رحلته تباعا في جريدة "الحاضرة" الأسبوعية في سنوات ثلاث متوالية من 1305 إلى 1307 ]أي بين سنتي: 1887-1889م[ في 28 عدد.
اقتراح: وكم يروق لتونسنا العزيزة المتشوّقة إلى بلوغ الكمال بجمع الشتات وتدارك ما فات، لو توفّق أحد بنيها الغيّورين، واعتنى بنشر تلك (الرحلة الأندلسية) على حدة، مع التعريف بمؤلّفها، والتعليق عليها بما تستحقّ وبما يناسب. ولا إخال هذه الأمنية المرجوّة إلاّ متحقّقة، إن شاء الله تعالى" ([1]).
وإنّي إن شاء الله ملبّ هذا الطلب العزيز ومتولّ نشر النص الكامل لهذه الرحلة الهامة مع ما تستحقه من التعليق والتقييم العلميين في أقرب فرصة سانحة بحول الله تعالى.


[1] ) – عبد الوهاب (حسن حسني): ورقات، م.م.، القسم الثاني ، ص 461-466. وفي الهامش (ص 465): " مصادر: جريدة الحاضرة من عدد 3 إلى 103، وكذا:
- H. Pérès : L’Espagne vue par les voyageurs musulmans (1610 à 1930), Paris, 1937, p. 62 et suivantes.


















كاتب الموضوع

تسجلات زمان

0 تعليق على موضوع : الوردانين على درب الحداثة

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    بوّابة الوردانين

    2017